تأملات في…. البحر (2)
بقلم/احمد وجيه ابوسحلى
ما أجمل البحر وقت الغروب، يُضيف البحر لمسة سحرية إلى جماله حين يتداخل لون الشفق الأحمر مع زرقة مياهه، ليخلق منظرًا بديعًا يأسر القلوب والعقول ما أجمل وأفضل صفاءه فيذكرني بالمحبوب، هو الصديق الذي تحفظ لديه أسرارك، هو الذي يساعدك على تجميع أفكارك، ومع ذلك احذر تقلباته
غروب الشمس عند البحر يُعطي النفس شعورًا بالراحة والمتعة، إذ إنّه منظرٌ غارقٌ بالتأمل والخيال عندما تترك الشمس خلفها لون الشفق ليختلط باللون الأزرق. الغروب والبحر حكايتان لا تستطيع الحروف والعبارات أن تصفهما، إنهما تعويذتان للسحر والجمال الأخاذ وكأنها لوحة مرسومة صاغتها يد الخالق المبدع. منظر الغروب عند البحر يجعل القلب غارقًا في موجة من الحب والرومانسية والفرح، وكأنّ البحر وقت الغروب يظهر كعاشقٍ للشمس لا يقوى على غيابها. يا له من منظرٍ مهيب عندما يحين غروب الشمس عند البحر، فتنعكس أشعتها الذهبية على الماء الأزرق والرمال فيغدو المنظر أشبه بالخيال المغلف بالسحر
انتظرتُ غروبكِ أيّتها الشمس لأرى ذلك الإشعاع الهزيل الذي يودع البحر .. وتلك القوارب تودع يوماً مضى من حياتي. انتظرتُ ذلك المنظر لأبقى لحظات مع نفسي أتأمل الشفق الأحمر وهو يحتضن التل وداعاً. انتظرتُ ذلك المنظر العجيب الذي يحوّل البحر والجو إلى مكان آخر .. مَكان لن تنساه العين ينسيك الهموم والأحزان التي تكتم أنفاسك ويودعك بغروب يملأ القلوب بمشاعر عذبه
هدوء البحر لا يعني أنّه سيبقى هكذا إلى الأبد، ربّما كان الهدوء قبل العاصفة، وهذا بالضبط يُشبه الحياة عندما تهدأ وتستكين، فالبحر الهادئ هو الحياة الهادئة. البحر الهادئ يغري بالاقتراب منه، لكنه يُثير في النفس الكثير من التساؤل ويجعلها تريد أن تعرف ما سرّ هذا الهدوء رغم الصخب الكبير في أعماقه. عندما يكون البحر هادئًا يتخيل الواقف على شواطئه أنّ هذا البحرَ حزين غامض لا يريد البوح بأسراره ولا يريد لأمواجه أن تلامس صخور الشاطئ لكن هدوء البحر ما هو إلا استراحة محارب. هدوء البحر يُشبه السلام الذي يأتي بعدٍ حربٍ طويلة، ويُشبه الربيع بعد شتاءٍ عاصف وطويل، فالبحر الهادئ مملوء بالوداعة والسحر الذي لا ينتهي أبدًا.
البحر الهائج يضرب بأمواجه صخور الشاطئ كما لو أنه يعاقبها على شيءٍ ما. أمواج البحر الهائجة تُشبه النفس البشرية بكلّ ما فيها من تقلباتٍ وجنون وغضب، فالبحر في عزّ هيجانه لا يستطيع أي أحدٍ أن يُسكته أو يجعل أمواجه تهدأ قليلًا. مَن أراد أن يعرف الحياة على حقيقتها فليقف أمام البحر: مرة في أوج هدوءه ومرة في أوج هيجانه، فالبحر الهائج هو جنون الطبيعة الأكبر الذي لا يُشبهه جنون. البحر الهائج هو رسالة من البحر إلى رمال الشاطئ وصخوره، وكأنه يبوح لها بالقليل مما يسكن أعماقه من جنون وقوّة وجبروت. رغم قسوة أمواج البحر الهائجة لكنها لا تقسو أبدًا على السفينة التي تتصادق مع البحر وتتناغم معه في أوج هدوئه وفي أوقات هياجه، فالبحر والسفينة أصدقاء للأبد