تأملات فى …. الحزن

بقلم/احمد وجيه ابوسحلى

الحزن هو ذلك الشعور الثقيل الذي يتسلل إلى القلب دون استئذان، ليترك وراءه آلامًا يصعب تجاوزها بسهولة. هو كالسهم الذي يصيب الروح، ويغرس في النفس وجعًا يمتد لفترات طويلة، سواء أتى بسبب فقدان شخص عزيز، أو بسبب خيبة أمل عميقة، أو انكسار قلب كان يظن أنه قوي. لكن، على الرغم من ثقل هذا الشعور، لا ينبغي للإنسان أن يسمح له بالاستيطان في أعماقه إلى الأبد.

كل فراق هو بداية لحزن، وكل خيبة أمل تفتح جرحًا جديدًا في الروح. هناك من يستسلم لهذا الألم ويتركه يسيطر على حياته، حتى يفقد البوصلة ويمضي في طريق مظلم بلا رجعة. ولكن، بين طيات هذا الحزن العميق، تكمن فرصة للنهوض، فرصة لإعادة بناء النفس واستعادة القوة التي تسقط مع كل انكسار. الحزن قد يكون مدمرًا، لكنه أيضًا مفتاح لوعي أعمق وأقوى، إذا ما تمكنا من مواجهته بشجاعة.

الحزن لا يقتصر على تلك اللحظات الظاهرة، بل يتسلل إلى أيامنا الجميلة، يسرق منا ابتساماتنا دون أن ندرك. هو رفيق لا يعلن عن نفسه، ولكنه يبقى حاضراً في كل لحظة صمت، وفي كل ذكرى مؤلمة. نتظاهر بالابتسام، ونتجنب الحديث عن أوجاعنا، لكن القلب يبقى غارقًا في بحور الحزن. ولعل أصعب أنواع المقاومة هو أن تقف في وجه دموعك، وتجبر نفسك على الابتسام رغم ثقل الحزن الذي يعصف داخلك.

إنَّ الحزن لا ينتهي بمجرد البكاء أو الصمت، بل يمتد ليصبح جزءًا من ذواتنا، يؤثر على كل تفاصيل حياتنا. هناك لحظات نشعر فيها أن الحزن قد استوطننا، وأصبح جزءًا من كياننا لا ينفك يرافقنا. كل موقف قاسٍ يفتح بابًا جديدًا للألم، سواء كان خيانة صديق أو هجران حبيب. وفي كل مرة، نجد أنفسنا عاجزين عن تجاوز الألم، فنلتزم الصمت، ونكتم الدموع خلف الابتسامات.

لكن، وسط هذا الألم المستمر، هناك شعاع من الأمل. الأمل هو القوة التي تخفف من وطأة الحزن، تلك القوة التي تدفعنا للوقوف مجددًا، حتى ولو كان القلب محطمًا. صحيح أن الطيور الحزينة قد تحلق فوق رؤوسنا، لكن يجب أن نمنعها من بناء أعشاشها في أعماقنا. فالحزن ليس إلا محطة مؤقتة، ومهما طالت لحظاته، يجب أن ندرك أنها لن تدوم إلى الأبد.

في النهاية، يجب أن ندرك أن الحياة ليست طريقًا مفروشًا بالسعادة والفرح الدائم. هناك لحظات من الألم والانكسار، ولكن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على تجاوز هذه اللحظات، وفي البحث عن النور وسط الظلام. لا تقف عند الأطلال ولا تدع الحزن يسرق منك حياتك. فكل يوم يحمل في طياته فرصة جديدة للبدء من جديد، ورسم أحلام جديدة تغطي على جراح الماضي.