“قطارات بلا نوم: حكاية رحلة بين الغبار والتأمل”

Spread the love

بقلم / احمد وجيه ابوسحلى

في الأسبوع الماضي، وجدت نفسي مضطراً للسفر إلى بني سويف أكثر من مرة لإنهاء إجراءات تقديم ابنتي في الجامعة هناك. وبسبب طبيعة المهمة، قررت السفر ليلًا حتى أصل في الصباح الباكر، فأتمكن من إنجاز ما أحتاج إليه وأعود في نفس اليوم. وكانت بداية الرحلة من محطة فرشوط، حيث توجّهت للاستفسار عن مواعيد القطارات، ولعلّي كنت أبحث عن خيار يلائم توقيتي وظروفي، إلا أن الخيارات كانت محدودة .

وجدت نفسي أمام ثلاثة قطارات، وكل خيار أسوأ من سابقه. القطار الأول، قطار روسي درجة ثالثة مكيف، يغادر عند منتصف الليل و10 دقائق، لكنه لا يتوقف في محطتي، ما يعني أن عليّ الذهاب إلى محطة نجع حمادي لركوبه. وهنا تبدأ أولى مشكلات الرحلة، إذ كيف لي أن أجد وسيلة مواصلات في تلك الساعة المتأخرة من الليل؟ الخيار الثاني كان قطارًا روسيًا آخر، درجة ثالثة أيضًا، ولكن بتهوية بدائية، ينطلق في الواحدة إلا ربع صباحًا، ولم يكن هذا القطار خاليًا من التعقيدات، فقد قيل لي إنه يجب الحجز مسبقًا بفترة لا تقل عن خمسة عشر يومًا، وكأن السفر في هذا القطار مهمة حربية تتطلب استعدادًا مسبقًا. أما الخيار الثالث، فقد كان قطارًا إسبانيًا مكيفًا، يتحرك في الثالثة إلا عشر دقائق صباحًا، لكنه محجوز بالكامل، وكأنه قصر مغلق لا يحق لي حتى التفكير في دخوله.

أمام هذه الحيرة، وبعد استبعاد الأول والثالث، لم يبقَ لي سوى الخيار الثاني، فحجزت تذكرة في القطار الروسي بدرجة التهوية قبل موعد السفر بأسبوع، منتظراً يوم الرحلة بأمل ضئيل.

حينما جاء يوم الرحلة، وصلت إلى المحطة مبكرًا بنصف ساعة، ومع ذلك، تأخر القطار ربع ساعة عن موعده. وهنا، شعرت أن تأخير القطار لم يعد مفاجئًا، فقد أصبحت عادة قديمة، لكن بجرعة أخف مما كان عليه الحال في الماضي. بعد صعودي إلى القطار، تفاجأت بنظافة العربات وجمال تصميمها الجديد، لكن هذه البهجة القصيرة تلاشت سريعًا عندما اكتشفت أن المقاعد ليست كما يبدو عليها. لقد كانت ثابتة وقاسية، مبطنة بطبقة من البلاستيك الخفيف، وكأنها تذكير مستمر بأن الراحة ليست جزءًا من هذه الرحلة. وكلما حاولت الجلوس بشكل مريح، اكتشفت أن المقعد لا يريد منحي تلك الفرصة. كان ظهري يشكو وركبتي تعترض، وكان النوم ضربًا من الخيال.

وكما لو أن المقاعد وحدها لا تكفي لجعل الرحلة شاقة، كان الباعة المتجولون يتجولون بين الركاب، وكأنهم في سباق لا ينتهي، بأصواتهم العالية وبضائعهم التي كانت تمر عليّ دون استئذان. حتى عندما حاولت أن أغلق عيني للحظة، كان أحدهم يمر بجانبي رافعاً صوته وكأنه يتعمد ذلك حتى لا يمنحنى ولو قسطاً صغيراً من النوم ، وكأن القطار قرر أن يمنعني من الراحة بكل الوسائل الممكنة.

القطار كان يتوقف كثيرًا، وغالبًا في أماكن لا تليق بمحطات القطار، لإفساح المجال للقطارات المكيفة التي تمر وكأنها ملوك على السكة. وكانت كل وقفة تزيد من طول الرحلة، وكأن الزمن في هذا القطار يقرر أن يمضي ببطء. الرحلة التي كان من المفترض أن تستغرق ست ساعات ونصف امتدت إلى ثماني ساعات، وكأن القطار يسخر من الوقت، ويضيف إلى معاناتي ساعات أخرى.

ولعلّ أكثر ما أثار دهشتي هو النوافذ التي كانت مفتوحة طيلة الرحلة، غير قابلة للإغلاق، مما جعلني أصل إلى وجهتي مغطى بالغبار وكأنني عشت مغامرة في صحراء قاحلة.

كانت تلك الرحلة تجربة قاسية مليئة بالتحديات، وجعلتني أدرك أن هذا النوع من القطارات لا يناسب رحلات طويلة مثل رحلتي هذه. في المستقبل، سأبحث حتمًا عن بدائل أكثر راحة، لأنني أدركت أن السفر ليس مجرد تنقل من مكان إلى آخر، بل هو تجربة يجب أن تحمل في طياتها بعض الراحة والهدوء، وليس الألم والغبار.

احمد وجيه ابو سحلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نبذة تعريفية

جريدة التحرير نيوز تصدر عن حزب التحرير المصري