تأملات فى الحياة (2)
بقلم/احمد وجيه ابوسحلى
تمضي الحياة بخطى متسارعة، تتنقل بنا من موقف إلى آخر كما لو كانت رحلة بلا نهاية. نتعايش في عالم مزدحم بالضغوطات والهموم، لكن هذه الجوانب المظلمة يجب ألا تحجب عن أعيننا جمال اللحظات البسيطة. فالحياة الطبيعية اليوم، برغم همومها، هي نعمة تستحق أن نعيشها بكل تفاصيلها.
تثير الحياة دهشتنا باستمرار، بأحداثها وتقلباتها، ببداياتها ونهاياتها، وبحقيقتها وماهيتها. إن هذا العجب لا ينتهي أبدًا، فالحياة هي سلسلة متتابعة من الأيام، وسيل جارف من السنوات، ومزيج متناقض من المشاعر، وكثير من الأفكار والفلسفات المتضاربة. هي صراع يتسع في مكان ويضيق في آخر، يتمدد في زاوية ويتقلص في أخرى.
الحياة تنبض في ابتسامات الصباح، وتجري في عروق أوراق الشجر، وتتجلى في أحاديث الفلاحين، وتبحر في أحلام الصيادين. هي تلك القطرات التي يحملها المطر، تروي الشجر والنبات، وتغيث الأنعام والبشر وكل الكائنات على وجه الأرض.
التواصل مع الآخرين يمنحنا شحنة من الدفء، تضيء أرواحنا وتنعش عقولنا. فعندما نتواصل ونتعاطف مع من حولنا، تتضاعف قيمة حياتنا ونشعر بعمق أكبر لمعانيها. إن سر السعادة ليس في كتابة تجاربنا بل في عيشها بكل ألوانها، والاستمتاع بكل لحظة تمر بها.
الحياة تعلمنا أن الفرح والحزن هما وجهان لعملة واحدة؛ لا يدوم أحدهما إلى الأبد. تعلمنا أن نتقبل الفراق كما نتقبل اللقاء، فكلاهما جزء من رحلتنا. وفي كل لحظة، نحمل دروسًا وفرصًا للنمو الروحي والعقلي. الحياة، مثل المرآة، تعكس ما نقدمه لها. كلما ابتسمنا لها، أعادت لنا الابتسامة مضاعفة.
لا يتوقف نهر الحياة عن الجريان، فهي دائمًا تسعى لتصحيح أخطائها. لا حزن يستمر، ولا فرح يدوم، فالحياة شريط من الذكريات والمواقف، والماضي صفحة تطوى بينما يبقى الحاضر محفورًا في ذاكرتنا. الأشخاص الحقيقيون في حياتنا يبرز معدنهم في أوقات الشدة، فنكتشف من يبقى ومن يتساقط.
لا تشتكي من الأيام، فهي تجري بنا نحو مستقبل غير معلوم. كن واثقًا بالله، وعش كل يوم بشكر وامتنان. الحياة دمعتان؛ دمعة لقاء ودمعة وداع، ولكن الأصعب هو لقاء بعد الفراق. تعلمت أن أجعل قلبي مدينة محبة، وطرقها التسامح والعفو. أعطي دون انتظار مقابل، وأصدق مع نفسي قبل أن أطلب من الآخرين فهمي.
حينما نعيش لأنفسنا فقط، تصبح الحياة قصيرة وضئيلة. لكن عندما نعيش لغيرنا، تتسع أبعادها وتصبح أكثر عمقًا. السعادة ليست في غياب المشاكل، بل في كيفية تعاملنا معها. تقبل الحياة بحلوها ومرها، ولا تدع الحزن يسيطر على قلبك. الحياة هي مزيج من الجمال والقسوة، لكن في نهاية المطاف، ما يبقى هو جمال الروح والإحساس بالآخرين.
الحياة مليئة بالحجارة، فلا تتعثر بها، بل اجمعها وابنِ بها سلّمًا تصعد به نحو النجاح. كن قنوعًا، فالقناعة مفتاح السعادة. الحياة تستحق أن نعيشها بابتسامة، فهي رحلة مليئة بالتجارب التي تمنحنا القوة والحكمة. لا تنسَ أن الحياة قصيرة، لكنّها مليئة بالفرص للنمو والتعلم. عشها بكل جوانبها، واستمتع بكل لحظة، فالحياة رحلة لا تتكرر.
هكذا تستمر الحياة في دهشتنا وإبهارنا، بلحنها المتجدد وتناقضاتها العجيبة، تحيا في كل لحظة وتعلمنا أن نقدر الجمال في تفاصيلها الصغيرة والكبيرة.
